الثلاثاء، 23 يونيو 2020

الاسلاميين الليبيين يشكلون خطر على بريطانيا



جاء الهجوم الإرهابي الذي أدى الى سقوط ثلاثة قتلى وثلاثة جرحى في مدينة ريدينغ البريطانية مساء السبت الماضي ، ليطرح من جديد مسألة تعامل الغرب مع الإرهاب وازدواجية المعايير التي يعتمدها في تحديد مواقفه من الجماعات المتشددة ، وعدم انتباهه لخطرها إلا عندما تستهدفه من الداخل ،

قبل عام كان الشاب الليبي خيري سعد الله البالغ من العمر 25 عاما ، يستعد للسفر الى سوريا من خلال البوابة التركية للقتال هناك ضمن الجماعات المسلحة التي آلت السيطرة عليها لمخابرات أردوغان ، لكن الجهات الأمنية البريطانية اكتشفت ذلك ، ومنعته من السفر ووضعته تحت رقابتها ، الى أن قام بالهجوم بسكين على مدنيين في متنزّه فوربوري غاردنز في مدينة ريدينغ على بعد 60 كلم غرب العاصمة لندن،

في 22 مايو 2017، فجر ليبي آخر هو سلمان العبيدي نفسه عند مخرج قاعة كبرى للحفلات، كانت تحيي فيها مغنية البوب الأميركية أريانا غراندي حفلاً موسيقياً. وقتل 22 شخصاً في الاعتداء، بينهم سبعة أطفال، فيما أصيب نحو مئة بجروح.

كانت تلك الحادثة إحدى أعنف الأعمال الإرهابية الي عرفتها بريطانيا ، ونفذها شاب ولد في مانشستر عام 1994 لأبوين مولودين في ليبيا، كان والده رمضان العبيدي  عنصر أمن في عهد النظام السابق ، قبل أن ينشق عنه في أوائل التسعينيات من القرن الماضي وينظم الى الجماعة الليبية المقاتلة بزعامة عبد الحكيم بالحاج ، ثم انخرط في حزب الأمة الذي شكله ناشطون سابقون في الجماعة وعلى رأسهم سامي الساعدي أحد أبرز المتشددين في طرابلس حاليا وعضو دار الإفتاء التابعة للمجلس الرئاسي ، قبل أن يعود في العام 2011 الى طرابلس ، ويتسلم منصب المدير الإداري لقوات الأمن المركزي تحت سلطة المؤتمر الوطني العام الذي دفع لأول مرة بإرهابيين من تنظيم القاعدة الى سدة الحكم.
وكان رمضان  العبيدي  قد حصل على اللجوء السياسي في بريطانيا في العام 1992 وتم تصنيفه لاحقا على أنه متأثر بفكر تنظيم القاعدة ، ورغم ذلك كان يمارس نشاطا دعويا في مسجد ديديسبري الذي كان إبنه سلمان من رواده ، كما عرف عنه تأثره بفتاوى مفتي طرابلس بعد 2011 الصادق الغرياني وعلاقته الوطيدة بإبنه الحاصل بدوره على الجنسية البريطانية سهيل الغرياني صاحب قناة « التناصح » التي تمولها قطر وتبث برامجها من تركيا وتم تصنيفها كيانا إرهابيا من قبل الدول الاربع ( السعودية ومصر والإمارات والبحرين ) وكذلك من قبل البرلمان الليبي
وفي يوليو 2019 خضعت حكومة الوفاق للضغوط البريطانية ، وسلمت للندن هاشم العبيدي شقيق سلمان ، والذي اتهمته المحكمة في فبراير الماضي بالمشاركة في التخطيط والإعداد لهجوم مانشستر ، لكن جريمة السبت الماضي جاءت لتعيد فتح ملف العناصر الليبية الإرهابية التي أصبحت لها مرجعيات فكرية و« شرعية » من داخل منظومة الحكم في طرابلس ، ومن رحم التحالف القائم بين الإخوان والقاعدة برعاية التحالف القطري التركي.
وسبق للحكومة البريطانية أن اعترفت بعد حادثة مانشستر بأنها كانت على تواصل بأفراد كانوا عناصر سابقين في تنظيم القاعدة انظموا إلى جماعات إسلامية مقاتلة شاركت في أحداث فبراير 2011  في ليبيا ،وقالت  أن هذه السياسة التي اتبعتها أجهزة الأمن البريطانية عرفت باسم الباب المفتوح، وسمحت لمواطنين بريطانيين من أصل ليبي بالعودة إلى ليبيا للمشاركة في القتال خلال الثورة.

وقال عضو البرلمان البريطاني من حزب المحافظين أليستر جيمس في رد على سؤال ما إذا كانت بريطانيا على تواصل مع عناصر إرهابية في ليبيا، أن بلاده تواصلت مع العديد آنذاك ومن المرجح أنها تواصلت مع عناصر سابقة في تنظيم القاعدة شاركوا في القتال، مشيرا إلى وجود علاقة تربط بين العناصر التي تواصلت معها بريطانيا وسلمان العبيدي المسؤول عن التفجير الذي أرعب بريطانيا

ويشير المراقبون الى لندن لم تتورط فقط في احتضان الإرهابيين عندما كانوا ينتصبون الأنظمة السابقة العداء ، وإنما دفعت بهم للقتال في بلدانهم واعتبرتهم ثوارا من أجل الحرية سواء في ليبياأو في سوريا التي كان لليبيين دور مهم في نشر الإرهاب في أراضيها وخاصة من خلال تشكيلهم للواء الإمة في العام 2012.
وفقاً لقاعدة بيانات الإرهاب العالمية، أدى الإرهاب بين عامي 2000 و2017 الى مقتل 126 بريطانيا من بينهم 30 سقطوا في تونس إثر هجوم مسلح على منتجع سياحي بمدينة سوسة الساحلية في يونيو 2015.
وتواجه بريطانيا منذ عقود اتهامات باحتضان الإرهابيين والعمل على توظيفهم لخدمة أجنداتها في المنطقة ، لكن ما سمي بالريع العربي كشف عن طبيعة المخطط البريطاني بتحويل الإرهابيين الى أدوات للصراع في المنطقة العربية على أن يكونوا بدلاء للأنظمة القائمة

وفى مايو 2018 ، كشفت لندن عن التوجه بوجه عار ، عندما خرجت حكومتها للاعتذار بشكل رسمي،  للإرهابي الليبي عبد الحكيم بلحاج ، ونشرت حكومة المملكة المتحدة بيان اعتذار لما وصفته بـ"إساءة" معاملة عبد الحكيم بلحاج، والذي اختطف في تايلاند عام 2004 ونقل إلى ليبيا حيث تعرض للتعذيب على يد النظام الليبي السابق.
وقالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي فى الرسالة الموجهة إلى الإرهابي عبد الحكيم بلحاج وزوجته فاطمة "نيابة عن حكومة صاحبة الجلالة، أعتذر منكما بلا تحفظ"، وأقرت تيريزا ماى أن "أفعال حكومة المملكة المتحدة ساهمت فى اعتقالكما وتسليمكما ومعاناتكما".
وفي أبريل 2019 صحيفة "الغارديان" البريطانية أن سلطات لندن كشفت لأول مرة أنها أنفقت نحو 11 مليون جنيه استرليني (أكثر من 14 مليون دولار) على دفع التعويضات وملاحقة المسؤولين عن احتجاز عبد الحكيم بلحاج وزوجته فاطمة بودشار في تايلاند عام 2004، ضمن عملية خاصة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA وجهاز الاستخبارات البريطاني MI6.

وأشارت منظمة بريطانية الى أن بلحاج وزوجته لم يرغبا في الحصول إلا على الاعتذار رسميا من قبل الحكومة، لكن لندن فضلت دفع هذه المبالغ الهائلة من أموال دافعي الضرائب على الاعتراف رسميا بدورها في احتجاز الليبيين
ورأي محللون في تلك الخطوة محاولة من لندن للمساهمة في خطة بالحاج لحكم ليبيا ، عبر تلميع صورته ، وتجاوز كل تاريخه الإرهابي ، وتقديمه على إنه بطل قومي ، وهو ما يسعى إليه الطرفان التركي والقطري كذلك ،
ولا تخفي لندن دعمها لحكومة الميلشيات في طرابلس بزعامة فائز السراج الذي تم الكشف في فبراير الماضي أنه وصل الى باريس بجواز سفر بريطاني في زيارة لم تكن مقررة وتعرض فيها للإهانة بمطار شارل ديغول ، كما أنه يقضي أغلب أوقات راحته في سكنه اللندني الذي اقتتناه ليقضي فيه فترة تقاعده.

وكان الجيش الوطني الليبي اتهم في ابريل 2019 بريطانيا بدعم الميلشيات المسلحة وخاصة من خلال موقعها كبلد دائم العضوية في الأمم المتحدة ، فيما يؤكد سياسيون ليبيون على أن لندن لا تزال تراهن على الإسلام السياسي للسيطرة على ليبيا رغم فقدانه للشرعية وانقلابه على نتائج الانتخابات في العام 2014 وخوضه حرب فجر ليبيا المدمرة والتي قادتها جماعة الإخوان والجماعة المقاتلة ، مشيرين الى أن الجانب البريطاني يقود حاليا حربا معلنة في منطقة شمال إفريقيا معتمدا فيها على الإسلاميين لخدمة أهدافه وخاصة في مواجهة الإتحاد الأوروبي بعد انسحابه منه ،
وسيكون على عموم الدول الأوروبية الاستعداد لمخاطر الإرهاب الذي تتسع رقعة نفوذه وتأثيره في ليبيا تحت مظلة حكومة الوفاق المعترف بها دوليا والتي تتخذ من الجماعات المتشددة والمرتزقة أدوات لتأبيد حكمها رغم فشلها السياسي والأمني والاقتصادي ونهاية ولايتها الرسمية منذ أكثر من ثلاث سنوات ، وفقدانها الشرعية الشعبية والدستورية.
وتعتمد حكومة الوفاق حاليا على آلاف الإرهابيين من فلول القاعدة وداعش والميلشيات الخارجة عن القانون والمهربين الى جانب أكثر من 15 ألف مرتزق سوري من بينهم إرهابييون ، ومرتزقة أخرين من جنسيات مختلفة يتم نقلهم من شمالسوريا الى طرابلس ومصراتة ، وأعين أغلبهم  منصبة على الضفة الشمالية للمتوسط ويرى المحللون أن بريطانيا تعتبر الإرهابيين خطرا عليها ، ولكنها لا تعتبرهم خطرا على شعوبهم ، لذلك اعتادت على احتضانهم ودعمهم وتمويل تحركاتهم ليخدموا مشاريعها خارج حدودها ، وهو ما يحدث في ليبيا منذ العام 2011 عندما سيطر المتشددون المدعومون من الغرب وخاصة لندن على البلاد ، وتم اعتبارهم ثوارا ضد الاستبداد ، في تغاض على جرائمهم المرتبكة في حق الشعب الليبي ودولته ومؤسساته.

ويتابع المحللون أن بريطانيا التي تحتضن عناصر إرهابية داخل أراضيها ، وتعتبر نفسها عرابة جماعات الإسلام السياسي في بلدانها ، ارتبطت بعهود ومواثيق مع الإخوان والقاعدة . على أن لا يتعرضوا لها بالأذى ، لكن ما تتعرض له من حين الى آخر هو من صنيعة عناصر منفلتة أو غير منتمية سياسيا ، لافتين الى أن ما قام به خيري سعد الله السبت الماضي ، وإن كان عملا إرهابيا إلا أنه لا يحسب على الجماعات الإرهابية المتعاونة مع السلطات البريطانية.
غير أن ما يلفت الانتباه هو أن الفكر الذي يتغلغل في صفوف فئات من الشباب المسلم في بريطانيا عادة ما ينطلق من كتابات وتصريحات وفتاوى دعاة متشددين مثل الصادق الغرياني المعروف بنشره الكراهية والذي يعتبر حاليا مفتي حكومة الوفاق من مقر إقامته في إسطنبول ، وأبرز داعية للاقتتال الأهلي في بلاده ، ورغم أن لندن تحدثت في العام 2014 عن قرار بمنعه من دخول أراضيها إلا أن ذلك بقي أمرا مشكوكا فيه ، خصوصا وأن نجله الإرهابي سهيل الغرياني يطلق من مقر إقامته البريطاني دعواته للحرب تحت غطاء ديني وبمنطق تكفيري تجسده قناة « التناصح » التي يدرها من تركيا.

0 Comments: