عزف أردوغان على الوترين الديني والقومي في تبرير تحركاته المريبة من دعم واحتضان جماعة الإخوان المسلمين المصنفة تنظيما إرهابيا وتسهيل انتقال المتطرفين إلى الجبهتين السورية والعراقية حيث حوّل تركيا إلى نقطة ترانزيت للإرهاب العابر للحدود وصولا إلى رعاية جماعات إرهابية بينها أفرع للقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، مستثمرا في الأزمة السورية لصناعة إرهاب على المقاس وتوظيف تلك الورقة في صراعات النفوذ والتمدد من جهة وفي ابتزاز الحلفاء والشركاء مع كل موجة توتر في العلاقات من جهة ثانية.
وسبق للرئيس التركي أن لوح بإغراق أوروبا بالمهاجرين، مهددا في الوقت ذاته بإطلاق ارهابيي تنظيم الدولة الإسلامية على حدودها ورحّل بالفعل العشرات منهم إلى بلدانهم الأصلية في ذروة التوتر مع الاتحاد الأوروبي على خلفية انتقاده لهجومه على أكراد سوريا في أكتوبر/تشرين الأول.
وفي أحدث حلقة من حلقات رعاية وتصدير الإرهاب يُرتب الرئيس التركي حاليا لتصدير الجماعات المتطرفة إلى الغرب الليبي بعد أن وفر لها كل الدعم والغطاء المالي والسياسي في سوريا.
وكما استثمر في الأزمة السورية، يسعى أردوغان إلى فتح منافذ إلى غرب ليبيا موظفا علاقاته مع الجماعات الإرهابية في الساحتين السورية والليبية، في محاولة لإحياء مشروع جماعة الإخوان المسلمين بعد فشله في المنطقة العربية.
وتبدو الساحة الليبية الساحة الأخيرة المهيأة أكثر ليلعب فيها أردوغان آخر أوراق مشروعه بدعوى دعم "شرعية" واهية لحكومة الوفاق الوطني التي يقودها فائز السراج والتي تعتبر واجهة سياسية لجماعة الإخوان.
وكانت تقارير متطابقة قد أشارت إلى وصول دفعات من مقاتلين سوريين من جماعات متطرفة إلى طرابلس كانت أعدتها ودربتها أجهزة أردوغان في السنوات القليلة الماضية لإسناد التدخل العسكري التركي في سوريا وهو التدخل الذي رسم بكل وضوح مطامع الرئيس التركي الاستعمارية وأجندته للتمدد الإيديولوجي.
وعلى ضوء سجل حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي في تركيا الذي تداخل فيه السياسي بالايديولوجي، بدا واضحا في السنوات الأخيرة أن صناعة الإرهاب لم تعد حكرا على الجماعات المتطرفة التي تتزاحم على نشر القتل والدمار والخراب، فقد خرجت من تحت عباءة تلك الجماعات لتتحول إلى حاضنة رسّخ وجودها الرئيس التركي تنظيرا وممارسة تحت مظّلة الشرعية السياسية.
وكان تنظيم القاعدة الذي نشر الرعب في أنحاء العالم تجنيدا واستقطابا ثم تفجيرا وقتلا متناثرا خلال العقود الماضية، قد استحوذ على الاهتمام الدولي في مكافحة الإرهاب إلى أن أفل نجمه تحت ضربات مكثفة لمعاقله وصولا إلى مقتل زعيمه أسامة بن لادن في مايو/ايار 2011.
ورغم انهيار القاعدة تنظيميا فإنها تمددت فكرا ومشروعا، ليولد من رحمها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لكن بوسائل أكثر تدميرا وأكثر فظاعة ليخطف الأضواء التي كانت مسلطة على فروع القاعدة في العالم.
ولم يكن ممكنا للتنظيم الإرهابي أن يتمدد في سوريا وقبلها في العراق دون حاضنة خلفية تسنده وتديره من وراء ستار.
وفي خضم هذا المشهد المعقد والملتبس برز دور أردوغان وأجهزته في إدارة وتدوير لعبة الإرهاب في المنطقة بمحامل سياسية وبأجندة ايديولوجية توسعية أخذت تركيا بعيدا عن تركيا الدولة والشعب والتاريخ، إلى هوّة سحيقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق